آية:
تفسير سورة الغاشية
تفسير سورة الغاشية
وهي مكية
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
آية: 1 - 16 #
{هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ (1) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (2) عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ (3) تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً (4) تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ (5) لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ (6) لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ (7) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ (8) لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ (9) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (10) لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً (11) فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ (12) فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (13) وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ (14) وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ (15) وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ (16)}.
# {1} يذكر تعالى أحوال يوم القيامة وما فيها من الأهوال الطامَّة، وأنَّها تغشى الخلائق بشدائدها، فيجازَوْن بأعمالهم، ويتميَّزون إلى فريقين: فريق في الجنَّة، وفريق في السَّعير. فأخبر عن وصف كلا الفريقين:
# {2 ـ 7} فقال في وصف أهل النار: {وجوهٌ يومئذٍ}؛ أي: يوم القيامة، {خاشعةٌ}: من الذُّلِّ والفضيحة والخزي، {عاملةٌ ناصبةٌ}؛ أي: تاعبة في العذاب، تجرُّ على وجوهها، {وتغشى وجوهَهم النارُ}؛ ويحتمل أن المراد بقوله: {وجوهٌ يومئذٍ خاشعةٌ. عاملةٌ نَّاصبةٌ}: في الدنيا لكونهم في الدُّنيا أهل عباداتٍ وعمل، ولكنَّه لما عدم شرطه، وهو الإيمان؛ صار يوم القيامة هباءً منثوراً. وهذا الاحتمال وإن كان صحيحاً من حيث المعنى؛ فلا يدلُّ عليه سياق الكلام، بل الصواب المقطوع به هو الاحتمال الأول؛ لأنَّه قيَّده بالظرف، وهو يوم القيامةِ، ولأنَّ المقصود هنا بيان ذكر أهل النار عموماً، وذلك الاحتمال جزءٌ قليلٌ بالنسبة إلى أهل النار ، ولأنَّ الكلام في بيان حال الناس عند غشيان الغاشية؛ فليس فيه تعرُّضٌ لأحوالهم في الدُّنيا. وقوله: {تَصْلى ناراً حاميةً}؛ أي: شديداً حرُّها تحيط بهم من كلِّ مكان، {تُسْقى من عينٍ آنيةٍ}؛ أي: شديدة الحرارة ، {وإن يَسْتَغيثوا يُغاثوا بماءٍ كالمهل يَشْوي الوجوهَ}؛ فهذا شرابهم، وأمَّا طعامُهم؛ فَـ {ليس لهم طعامٌ إلاَّ من ضريعٍ. لا يُسْمِنُ ولا يُغْني من جوع}: وذلك لأنَّ المقصود من الطعام أحد أمرين: إمَّا أن يسدَّ جوع صاحبه ويزيل عنه ألمه، وإمَّا أن يُسْمِنَ بدنَه من الهزال، وهذا الطعام ليس فيه شيءٌ من هذين الأمرين، بل هو طعامٌ في غاية المرارة والنَّتن والخسَّة، نسأل الله العافية.
# {8 ـ 16} وأمَّا أهلُ الخير؛ فوجوههم يوم القيامةِ {ناعمةٌ}؛ أي: قد جرت عليهم نَضْرَةُ النعيم فَنَضَّرَتْ أبدانهم واستنارت وجوههم وسُرُّوا غاية السرور، {لسعيها}: الذي قدَّمته في الدُّنيا من الأعمال الصالحة والإحسان إلى عباد الله، {راضيةٌ}: إذْ وجدت ثوابه مدَّخراً مضاعفاً، فحمدت عقباه، وحصل لها كلُّ ما تتمنَّاه. وذلك أنَّها {في جنَّةٍ}: جامعةٍ لأنواع النَّعيم كلّها، {عاليةٍ}: في محلِّها ومنازلها؛ فمحلُّها في أعلى عِلِّيين، ومنازلها مساكنُ عاليةٌ، لها غرفٌ، ومن فوق الغرف غرفٌ مبنيَّةٌ يشرفون منها على ما أعدَّ الله لهم من الكرامة. ({قطوفُها دانيةٌ}؛ أي: كثيرة الفواكه اللذيذة المثمرة بالثمار الحسنة السهلة التناول؛ بحيث ينالونها على أيِّ حال كانوا، لا يحتاجون أن يَصْعَدوا شجرةً أو يستعصي عليهم منها ثمرةٌ). {لا تسمع فيها}؛ أي: الجنَّة {لاغيةً}؛ أي: كلمة لغوٍ وباطلٍ فضلاً عن الكلام المحرَّم، بل كلامُهم كلامٌ حسنٌ نافعٌ، مشتملٌ على ذكر الله وذكر نعمه المتواترة عليهم وعلى الآداب الحسنة بين المتعاشِرين الذي يسرُّ القلوب ويشرح الصدور. {فيها عينٌ جاريةٌ}: وهذا اسم جنس؛ أي: فيها العيون الجارية التي يفجِّرونها ويصرِّفونها كيف شاؤوا وأنَّى أرادوا. {فيها سررٌ مرفوعةٌ}: والسرر جمعُ سريرٍ، وهي المجالس المرتفعة في ذاتها وبما عليها من الفُرُش الليِّنة الوطيئة. {وأكوابٌ موضوعةٌ}؛ أي: أوانٍ ممتلئةٌ من أنواع الأشربة اللذيذة، قد وضعت بين أيديهم، وأعدَّت لهم، وصارت تحت طلبهم واختيارهم، يطوفُ بها عليهم الولدان المخلدون. {ونمارقُ مصفوفةٌ}؛ أي: وسائد من الحرير والإستبرق وغيرهما مما لا يعلمه إلاَّ الله، قد صُفَّتْ للجلوس والاتِّكاء عليها، وقد أريحوا عن أن يضعوها أو يصفوها بأنفسهم. {وزَرابِيُّ مبثوثةٌ}: والزرابِيُّ هي البسط الحسان، مبثوثةٌ؛ أي: مملوءةٌ بها مجالسهم من كلِّ جانب.
آية: 17 - 26 #
{أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (20) فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (22) إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (23) فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ (24) إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ (26)}.
# {17 ـ 20} يقول تعالى حثًّا للذين لا يصدِّقون الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولغيرهم من الناس أنْ يتفكَّروا في مخلوقات الله الدالَّة على توحيده. {أفلا ينظُرون إلى الإبل كيف خُلِقَتْ}؛ أي: ألا ينظُرون إلى خَلْقها البديع وكيف سخَّرها الله للعباد وذلَّلها لمنافعهم الكثيرة التي يضطَرُّون إليها؟ {وإلى الجبال كيف نُصِبَتْ}: بهيئةٍ باهرةٍ حصل بها الاستقرار للأرض وثباتُها من الاضطراب وأودع [الله] فيها من المنافع الجليلة ما أودع، {وإلى الأرض كيف سُطِحَتْ}؛ أي: مُدَّت مدًّا واسعاً، وسُهِّلت غاية التسهيل؛ ليستقرَّ العبادُ على ظهرها ويتمكَّنوا من حرثها وغراسها والبنيان فيها وسلوك طرقها. واعلم أنَّ تسطيحها لا ينافي أنَّها كرةٌ مستديرةٌ قد أحاطتِ الأفلاك فيها من جميع جوانبها كما دلَّ على ذلك النقل والعقل والحسُّ والمشاهدة؛ كما هو مذكورٌ معروفٌ عند كثيرٍ من الناس ، خصوصاً في هذه الأزمنة، التي وقف الناس على أكثر أرجائها بما أعطاهم الله من الأسباب المقرِّبة للبعيد؛ فإنَّ التسطيح إنَّما ينافي كرويَّة الجسم الصغير جدًّا، الذي لو سطح؛ لم يبق له استدارةٌ تُذْكَر، وأمَّا جسم الأرض الذي هو كبيرٌ جدًّا واسعٌ ، فيكون كرويًّا مسطحاً، ولا يتنافى الأمران كما يعرف ذلك أرباب الخبرة.
# {21 ـ 22} {فذكِّرْ إنَّما أنت مذكِّرٌ}؛ أي: ذكِّر الناس وعِظْهم وأنذِرْهم وبشِّرْهم؛ فإنَّك مبعوثٌ لدعوة الخلق إلى الله وتذكيرهم، ولم تُبْعَثْ عليهم مسيطراً عليهم مسلطاً موكلاً بأعمالهم؛ فإذا قمت بما عليك؛ فلا عليك بعد ذلك لومٌ؛ كقوله تعالى: {وما أنت عليهم بجبارٍ. فَذكِّرْ بالقرآنِ مَن يخافُ وعيدِ}.
# {23 ـ 24} وقوله: {إلاَّ مَن تولَّى وكَفَرَ}؛ أي: لكن مَن تولَّى عن الطاعة وكفر بالله، {فيعذِّبُه الله العذابَ الأكبرَ}؛ أي: الشديد الدائم.
# {25 ـ 26} {إنَّ إلينا إيابَهم}؛ أي: رجوع الخلائق وجمعهم في يوم القيامةِ. {ثم إنَّ علينا حسابَهم}: على ما عملوا من خيرٍ وشرٍّ.
والحمد لله [رب العالمين].
* * *