تفسير سورة ألم نشرح لك صدرك
تفسير سورة ألم نشرح لك صدرك
وهي مكية
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4) فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6) فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8)}.
#
{1 ـ 4} يقول تعالى ممتنًّا على رسوله:
{ألم نشرحْ لك صدرَك}؛
أي: نوسِّعْه لشرائع الدِّين والدَّعوة إلى الله والاتِّصاف بمكارم الأخلاق والإقبال على الآخرة وتسهيل الخيرات، فلم يكن ضيِّقاً حرجاً لا يكاد ينقاد لخيرٍ ولا تكاد تجده منبسطاً،
{ووضعْنا عنك وِزْرَك}؛
أي: ذنبك،
{الذي أنقَضَ}؛
أي: أثقل
{ظهركَ}؛
كما قال تعالى: {ليغفرَ لك اللهُ ما تقدَّم من ذنبِكَ وما تأخَّر}،
{ورفَعْنا لكَ ذِكْرَك}؛
أي: أعليْنا قدرَك، وجعلنا لك الثَّناء الحسن العالي، الذي لم يصلْ إليه أحدٌ من الخلق؛ فلا يُذْكَرُ الله؛ إلاَّ ذُكِر معه رسوله - صلى الله عليه وسلم -؛ كما في الدُّخول في الإسلام، وفي الأذان، والإقامة، والخطب ... وغير ذلك من الأمور التي أعلى الله بها ذِكر رسوله محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وله في قلوب أمَّته من المحبَّة والإجلال والتَّعظيم ما ليس لأحدٍ غيره بعد الله تعالى؛ فجزاه الله عن أمَّته أفضل ما جزى نبيًّا عن أمَّته.
#
{5 ـ 6} وقوله:
{فإنَّ مع العُسْرِ يُسْراً. إنَّ مع العُسْرِ يُسْراً}: بشارةٌ عظيمةٌ أنَّه كلَّما وُجِدَ عسرٌ وصعوبةٌ؛ فإنَّ اليسر يقارنه ويصاحبه، حتى لو دخل العسر جحر ضبٍّ؛ لدخل عليه اليسر فأخرجه؛
كما قال تعالى: {سيجعل اللهُ بعدَ عُسْرٍ يُسْراً}، وكما قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -:
«وإنَّ الفرج مع الكرب، وإنَّ مع العسر يسراً ».
وتعريف العسر في الآيتين يدلُّ على أنَّه واحدٌ، وتنكير اليسرِ يدلُّ على تكراره؛ فلن يغلب عسرٌ يسرين.
وفي تعريفه بالألف واللاَّم الدالِّ على الاستغراق والعموم يدل على أنَّ كلَّ عسرٍ وإنْ بلغ من الصعوبة ما بلغ؛ فإنَّه في آخره التيسير ملازمٌ له.
#
{7 ـ 8} ثم أمر
[اللَّهُ] رسوله أصلاً والمؤمنين تبعاً بشكره والقيام بواجب نعمه،
فقال: {فإذا فرَغْتَ فانصَبْ}؛
أي: إذا تفرَّغْتَ من أشغالِك، ولم يبقَ في قلبكَ ما يعوقه؛ فاجتهدْ في العبادة والدُّعاء،
{وإلى ربِّك}: وحده
{فارغَبْ}؛
أي: أعظم الرغبة في إجابة دعائك وقبول دعواتك ، ولا تكنْ ممَّن إذا فرغوا ؛ لعبوا وأعرضوا عن ربِّهم وعن ذِكْرِه، فتكون من الخاسرين.
وقد قيل: إنَّ معنى هذا: فإذا فرغتَ من الصَّلاة وأكملتها؛ فانصب في الدُّعاء، وإلى ربِّك فارغبْ في سؤال مطالبك.
واستدلَّ من قال هذا القول على مشروعيَّة الدُّعاء والذِّكر عقب الصلوات المكتوبات. والله أعلم
[وبذالك].
تمت. والحمد لله.
* * *