آية:
تفسير سورة لا أقسم
تفسير سورة لا أقسم
وهي مكية
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
آية: 1 - 20 #
{لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ (1) وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ (2) وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ (4) أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ (5) يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا (6) أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ (7) أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (9) وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10) فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16) ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17) أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (18) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (19) عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ (20)}.
# {1 ـ 3} يقسم تعالى {بهذا البلدِ} الأمين، وهو مكَّة المكرَّمة، أفضل البلدان على الإطلاق، خصوصاً وقت حلول الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيها، {ووالدٍ وما وَلَدَ}؛ أي: آدم وذرِّيَّته.
# {4 ـ 7} والمقسَم عليه قولُه: {لقد خَلَقْنا الإنسانَ في كَبَدٍ}: يُحتمل أنَّ المراد بذلك ما يكابده ويقاسيه من الشَّدائد في الدُّنيا وفي البرزخ ويوم يقوم الأشهاد، وأنَّه ينبغي له أن يسعى في عملٍ يُريحُهُ من هذه الشَّدائد ويوجب له الفرح والسرور الدَّائم، وإن لم يفعلْ؛ فإنَّه لا يزال يكابد العذاب الشديد أبد الآباد، ويحتمل أن المعنى لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم وأقوم خِلْقة يقدر على التصرف والأعمال الشديدة ومع ذلك فإنه لم يشكر الله على هذه النِّعمة العظيمة، بل بطر بالعافية، وتجبَّر على خالقه، فَحَسِبَ بجهله وظلمه أنَّ هذه الحال ستدوم له، وأنَّ سلطان تصرُّفه لا ينعزل، ولهذا قال [تعالى]: {أيحسبُ أن لن يقدِر عليه أحدٌ}: ويطغى ويفتخر بما أنفق من الأموال على شهوات نفسه؛ فيقول {أهلكتُ مالاً لُبَداً}؛ أي: كثيراً بعضه فوق بعض. وسمى الله [تعالى] الإنفاق في الشَّهوات والمعاصي إهلاكاً؛ لأنَّه لا ينتفع المنفق بما أنفق، ولا يعود إليه من إنفاقه إلاَّ النَّدم والخسار والتَّعب والقلَّة، لا كمن أنفق في مرضاة الله في سبيل الخير؛ فإنَّ هذا قد تاجر مع الله وربح أضعاف أضعاف ما أنفق، قال الله متوعِّداً هذا الذي افتخر بما أنفق في الشهوات: {أيحسبُ أن لم يَرَهُ أحدٌ}؛ أي: أيظنُّ في فعله هذا أنَّ الله لا يراه ويحاسبه على الصغير والكبير؟! بل قد رآه الله وحفظ عليه أعماله ووكل به الكرام الكاتبين لكل ما عمله من خيرٍ وشرٍّ.
# {8 ـ 10} ثم قرَّره بنعمه، فقال: {ألم نجعل له عينين. ولساناً وشفتين}: للجمال والبصر والنُّطق وغير ذلك من المنافع الضروريَّة فيها؛ فهذه نعم الدُّنيا. ثم قال في نعم الدين: {وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ}؛ أي: طريقي الخير والشرِّ؛ بيَّنَّا له الهدى من الضَّلال، والرُّشد من الغيِّ. فهذه المنن الجزيلة تقتضي من العبد أن يقوم بحقوق الله ويشكره على نعمه، وأن لا يستعين بها على معاصي الله.
# {11} ولكن هذا الإنسان لم يفعل ذلك؛ {فلا اقتحم العقبة}؛ أي: لم يقتحمْها ويعبُرْ عليها؛ لأنه متَّبع لهواه ، وهذه العقبة شديدةٌ عليه.
# {12 ـ 16} ثم فسَّر هذه العقبة بقوله: {فكُّ رقبةٍ}؛ أي: فكُّها من الرقِّ بعتقها أو مساعدتها على أداء كتابتها، ومن باب أولى فكاك الأسير المسلم عند الكفار، {أو إطعامٌ في يوم ذي مَسْغَبَةٍ}؛ أي: مجاعةٍ شديدةٍ؛ بأن يطعم وقت الحاجة أشدَّ الناس حاجةً، {يتيماً ذا مَقْرَبَةٍ}؛ أي: جامعاً بين كونه يتيماً وفقيراً ذا قرابة، {أو مسكيناً ذا مَتْرَبَةٍ}؛ أي: قد لزق بالتراب من الحاجة والضَّرورة.
# {17} {ثم كان من الذين آمنوا}: وعملوا الصالحات ؛ أي: آمنوا بقلوبهم بما يجب الإيمان به، وعملوا الصالحات بجوارحهم، فدخل في هذا كلُّ قول وفعل واجبٍ أو مستحبٍّ، {وتواصَوْا بالصَّبْرِ}: على طاعة الله وعن معصيته وعلى أقداره المؤلمة؛ بأن يحثَّ بعضهم بعضاً على الانقياد لذلك والإتيان به كاملاً منشرحاً به الصَّدر مطمئنَّةً به النفس، {وتواصَوْا بالمَرْحَمَةِ}: للخلق؛ من إعطاء محتاجهم، وتعليم جاهلهم، والقيام بما يحتاجون إليه من جميع الوجوه، ومساعدتهم على المصالح الدينيَّة والدنيويَّة، وأن يحبَّ لهم ما يحبُّ لنفسه، ويكره لهم ما يكره لنفسه.
# {18} {أولئك}: الذين قاموا بهذه الأوصاف، الذين وفقهم الله لاقتحام [هذه] العقبة، {أولئك أصحاب الميمنة}: لأنَّهم أدَّوا ما أمر الله به من حقوقه وحقوق عباده، وتركوا ما نُهوا عنه، وهذا عنوان السعادة وعلامتها.
# {19 ـ 20} {والذين كفروا بآياتنا}: بأن نبذوا هذه الأمور وراء ظُهورهم فلم يصدِّقوا بالله ولا آمنوا به ولا عملوا صالحاً ولا رحموا عباد الله. أولئك {أصحاب المشأمة. عليهم نارٌ مؤصدةٌ}؛ أي: مغلقةٌ، في عَمَدٍ ممدَّدةٍ، قد مدَّت من ورائها؛ لئلاَّ تنفتح أبوابها، حتى يكونوا في ضيقٍ وهمٍّ وشدَّةٍ.
والحمد لله.
* * *